ويمكن اعتبار مقاومة الإنسولين أحد أمراض العصر الأكثر شيوعاً في العالم الحديث نظراً لسيادة نمط الحياة غير الصحي في معظم دول العالم، حيث يسود الطعام غير الصحي وتقل ممارسة الرياضة.
ما هو الإنسولين وما وظيفته؟
هو هرمون مهم للغاية يُصنّع في البنكرياس (بالتحديد في خلايا جُزر لانجرهانز)، له العديد من الوظائف لكن أبرزها هو دوره في إدخال الجلوكوز (السكر) إلى خلايا الجسم لتستعمله في إنتاج الطاقة اللزمة لأداء وظائفها مثل خلايا العضلات والكبد والمخ وغيرهم.
يحصل الجسم على الجلوكوز من الطعام الذي تأكله (النشويات والسكريات بالذات)، كما إن الكبد يستطيع أيضاً تصنيع الجلوكوز من الدهون وحتى البروتين في حالة عدم وجود مصدر خارجي للسكر مثلما في أيام الصيام.
ما هي مقاومة الإنسولين وكيف تحدث؟
مقاومة الإنسولين - بعض المدارس الطبية تسميها "ضعف الحساسية للإنسولين"- تحدث عندما تصبح خلايا العضلات والكبد والخلايا الدهنية وغيرهم، تصبح غير قادرة على الاستجابة لإشارات هرمون الإنسولين وبالتالي تعجز عن الاستفادة من الجلوكوز، المصدر الأول للطاقة على مستوى الخلية.
يمكن أن تكون مقاومة الإنسولين مؤقتة أو مزمنة وقد تكون قابلة للعلاج في بعض الحالات.
لفهم مقاومة الإنسولين، سنشرح لك وظيفة هرمون الإنسولين في عملية التمثيل الغذائي باختصار.
في الظروف الطبيعية، يؤدي الإنسولين وظيفته كما في الخطوات التالية:
- في البداية يُحلل الجسم النشويات والسكريات من الطعام الذي تأكله إلى جلوكوز (سكر) وهو مصدر الطاقة الرئيسي لخلايا الجسم.
- يدخل الجلوكوز إلى الدم، وبذلك تصل الإشارة إلى البنكرياس فتبدأ فوراً بإفراز الإنسولين.
- يحفّز الإنسولين دخول الجلوكوز إلى خلايا العضلات والكبد والخلايا الدهنية لإنتاج الطاقة أو لتخزينه واستخدامه لاحقاً، هذا التحفيز يتم عبر مستقبلات الإنسولين في جدران تلك الخلايا.
- عندما يدخل الجلوكوز إلى الخلايا، يقل تركيزه في الدم، فتصل الإشارة إلى البنكرياس فيتوقف عن إنتاج الإنسولين.
لأسباب متعددة تحدث اضطرابات تجعل الخلايا غير قادرة على الاستجابة لإشارة الإنسولين، فتعجز عن الاستفادة من الجلوكوز من الدم.
في محاولة من الجسم للتغلب على تلك المشكلة، يحفز البنكرياس لإنتاج كميات أكبر من هرمون الإنسولين فيرتفع تركيزه في الدم.
طالما ظل البنكرياس قادراً على إنتاج كميات أكبر من الإنسولين للتغلب على مقاومة الخلايا، فإنه يحافظ على مستويات الجلوكوز في الدم ولا تحدث مشاكل ولا أعراض.
تبدأ الأعراض في الظهور عندما تزداد مقاومة الخلايا أو يفشل البنكرياس في إنتاج كميات إضافية من الإنسولين.
شرح مقاومة الإنسولين |
ما أسباب مقاومة الإنسولين؟
لم يتوصل الباحثون حتى الآن إلى فهم السبب الذي يجعل الخلايا تقاوم مفعول الإنسولين، لكن هناك بعض العوامل المهيِئة التي فندها العلماء، وهي تلك العوامل التي تجعل شخصاً ما أكثر عُرضة للإصابة بمقاومة الإنسولين من غيره.
تشمل تلك العوامل المساعدة ما يلي:
- السِمنة والوزن الزائد، خصوصاً أولئك الذين يعانون من مقاس خصر كبير (أكبر من 40 بوصة للرجال و35 للنساء)، فهذا يعتبر أهم العوامل المهيِئة حيث لاحظ الباحثون أن تراكم الدهون في منطقة البطن بالذات هو سبب أساسي لمقاومة الإنسولين
- التقدم في العمر (45 سنة وأكبر)
- وجود أحد أفراد العائلة من الدرجة الأولى مصاب بالسكر
- نمط الحياة الرتيب: عدم ممارسة الرياضة وقلة النشاط عموماً
- ارتفاع الكوليسترول والدهون
- ارتفاع ضغط الدم
- وجود تاريخ من سكر الحمل
- وجود تاريخ لأمراض القلب أو الجلطات
- متلازمة تكيس المبايض
- تعاطي عقار الكورتيزون لفترة طويلة
- تعاطي أدوية علاج الأمراض النفسية
- اضطرابات النوم وخصوصاً مشكلة توقف النفَس أثناء النوم
- اضطرابات هرمونية: مثل متلازمة "كوشنج" التي يرتفع فيها مستوى الكورتيزول في الدم، ومرض تضخم الأطراف الناتج عن زيادة إفراز هرمون النمو، وأيضاً كسل الغدة الدرقية.
مقاس الخصر بالتحديد هو أهم عامل، ويمكن أن يسبب زيادة مقاس الخصر (الكرش) مقاومة الإنسولين حتى إذا كان وزنك العام أو معدل كتلة جسمك في المعدل الطبيعي.
ما أعراض مقاومة الإنسولين؟
كما ذكرنا أعلاه، فإن الأعراض لا تظهر إلا عندما يفشل البنكرياس في إنتاج كميات إضافية من الإنسولين للتغلب على المقاومة، أما في بداية حدوث المقاومة فلا تظهر أي أعراض ولا مضاعفات.
مع الوقت وباستهلاك البنكرياس، يضعف أداؤه ويقل إنتاج الإنسولين، فيرتفع مستوى الجلوكوز في الدم وتظهر الأعراض التالية:
- العطش المستمر، وعدم الإحساس بالارتواء حتى بعد شرب كميات كبيرة من الماء.
- فرط التبول إلى الدرجة التي تجعل المريض يستيقظ من النوم لدخول المرحاض.
- الجوع المستمر، حتى مع زيادة تناول الطعام لا يشعر المريض بالشبع.
- زغللة مستمرة في العينين.
- صداع
- تكرار العدوى في الأعضاء التناسلية
- تكرار العدوى والالتهابات الجلدية
- ضعف التئام الجروح
- تحول لون الجلد إلى الغامق في مناطق مختلفة من الجسم مثل الإبط، ومؤخرة وأجناب الرقبة.
سواد تحت الإبط وحول الرقبة |
- العلامات الجلدية
- ضعف البصر في الحالات المتأخرة نتيجة اعتلال الشبكية السكري.
الأعراض السابقة هي أعراض مرض السكر في العموم، لكن مرحلة ما قبل السكر يمكن أن تمر كاملةً بدون ظهورأي أعراض على المريض وربما تُكتشف صدفةً، ولمزيد من التفاصيل وفهم كيف تحدث اعراض السكر، يرجى زيارة هذا المقال.
ما الفرق بين مقاومة الإنسولين ومرض السكر؟
أي شخص يمكن أن تحدث لديه إحدى درجات مقاومة الإنسولين سواء مؤقتة أو دائمة، لكن بمرور الوقت يمكن أن تؤدي مقاومة الإنسولين إلى مرحلة ما قبل السكر ثم إلى مرض السكر من النوع الثاني.
الفرق أنه ليس كل مريض بمقاومة إنسولين سيصاب بمرض السكر، لكن الحالات القابلة للعلاج يمكن أن تُشفى تماماً وتعود إلى مستويات الإنسولين والجلوكوز الطبيعية.
ما مضاعفات مقاومة الإنسولين؟
عندما تحدث مقاومة الإنسولين، يبدأ البنكرياس في إنتاج كميات إضافية من الإنسولين للحفاظ على مستوى الجلوكوز في الدم، هذا الإنسولين الزائد يسبب زيادة في وزن المريض، وهذه الزيادة في الوزن تسبب مزيداً من مقاومة الإنسولين وكأنها حلقة مفرغة.
زيادة تركيز الإنسولين في الدم ينتج عنه أيضاً مضاعفات أخرى مثل:
- ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية في الدم
- تصلب الشرايين
- ارتفاع ضغط الدم
كما إن مقاومة الإنسولين تعتبر هي العنصر الأساسي في "متلازمة اعتلال التمثيل الغذائي"، وهي متلازمة تربط بين زيادة الدهون في منطقة الخصر والبطن وزيادة نسبة حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية والجلطات والنوع الثاني من مرض السكر.
متلازمة اعتلال التمثيل الغذائي ومضاعفات مقاومة الإنسولين |
تشمل علامات متلازمة اعتلال التمثيل الغذائي ما يلي:
- زيادة تركيز الدهون الثلاثية في الدم عن الطبيعي
- زيادة تركيز الجلوكوز في الدم
- ارتفاع ضغط الدم
- انخفاض نسبة الكوليسترول النافع (HDL)
ولا يُشترط أن تجتمع العلامات الأربعة السابقة لتشخيص المتلازمة.
كيف يمكن علاج مقاومة الإنسولين؟
ليست كل أسباب مقاومة الإنسولين قابلة للعلاج، فمثلاً العوامل الوراثية والعمرية لا يمكن تعديلها، لذلك ينصب التركيز على "تغيير نمط الحياة" كما يلي:
- الالتزام بالطعام الصحي: سينصحك الطبيب بتقليل النشويات والسكريات لأقصى ما يمكن، بالإضافة إلى الامتناع تماماً عن تناول الوجبات السريعة لأنها تُصنع بواسطة دهون ضارة، هذا بالإضافة إلى اللحوم المعالجة، وسينصحك بتناول المزيد من الخضروات والأسماك والفواكه.
- ممارسة الرياضة: يجب المحافظة على جرعة اعتيادية من التمارين الرياضية المتوسطة لأن ذلك يرفع معدل امتصاص الخلايا للجلوكوز من الدم بنسبة تعادل 40% تقريباً.
- فقدان الوزن: التخسيس وخصوصاً تخسيس منطقة الخصر والبطن من أهم خطوات العلاج، فهناك أبحاث توصلت إلى أن فقدان 7% فقط من وزنك يقلل نسبة حدوث النوع الثاني من مرض السكر بواقع 58%.
الالتزام بالإجراءات السابقة لفترة طويلة ينتج عنه تحسن كبير في حساسية الخلايا للإنسولين وانخفاض مستوى الجلوكوز في الدم وانخفاض الضغط، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الكوليسترول النافع (HDL) وانخفاض تركيز الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار (LDL).
المراجع: