حصوات المرارة الصغيرة يمكنها أن تتحرك وتنتقل من المرارة إلى القنوات المرارية فتنحشر وتسبب انسداد تلك القنوات وبالتالي تظهر أعراض الصفراء التي سنذكرها فيما يلي، بينما الحصوات الكبيرة في الغالب تبقى في مكانها ومن الصعب أن تتحرك أو تسد القنوات وكثير من الناس يكتشفونها بالصدفة أصلاً.
ما المرارة وما وظيفتها؟
المرارة هي أحد أعضاء الجهاز الهضمي وتقع في الجانب الأيمن من أعلى البطن مرتاحةً على الجزء السفلي من الكبد في حفرة صغيرة مخصصة لها (كما بالصورة) وهي مشمولة داخل الغشاء البريتوني المغلف لمعظم أحشاء البطن.
الوظيفة الأساسية للمرارة هي تركيز وتخزين العصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد كجزء من عملية الهضم والتمثيل الغذائي، يتم تنظيم إطلاق العصارة الصفراوية إلى الأمعاء عن طريق هرمون يُسمى "كوليسيستو-كينين".
تنقسم المرارة تشريحياً إلى 4 أجزاء هي القاع والجسم والعنق وفوهة القناة، والشكل التشريحي موضح بالتفصيل في الصورة التالية.
منظور آخر للوضع التشريحي للمرارة بدون حصوات المرارة |
أجزاء المرارة التشريحية |
ترتبط المرارة بالأجزاء الأخرى من الجهاز الهضمي عبر العديد من القنوات والأنفاق التي تساعد على نقل العصارة الصفراوية حتى تصل إلى القناة المرارية المشتركة ومن ثم استخدامها لتكسير جزيئات الطعام في الأمعاء الدقيقة (بدايةً من الإثنى عشر تحديداً) كما بالصورة التوضيحية التالية.
تخزين العصارة الصفراوية للطوارئ، تلك هي الوظيفة المهمة للمرارة، حيث إنه ليس كل ما تنتجه الكبد من عصارة صفراوية يذهب إلى الأمعاء للهضم، لكن جزءاً منه ينتقل إلى المرارة للتخزين للاستخدام السريع في حال تناول الشخص وجبة دسمة تحتوي كميات كبيرة من الدهون.
العصارة الصفراوية هي عبارة عن خليط من الكوليسترول والبيليروبين وأملاح الصفراء والليسيثين، وهي تستخدم لهضم الدهون وهي جزء أساسي من عملية الهضم، وتطرد العصارة في البراز بعد انتهاء وظيفتها وهي التي تعطي للبراز لونه البني.
حقائق سريعة عن حصوات المرارة
قبل الخوض في التفاصيل الدقيقة، نود أن نستعرض مع حضراتكم بعض الحقائق العلمية عن حصى المرارة.
- حصوات المرارة من الأمراض الشائعة، وهي تحدث في حوالي 6% من الرجال و9% من النساء حول العالم
- نسبة انتشار حصى المرارة في إفريقيا وآسيا أقل منها في أوروبا وأمريكا
- زيادة نسبة مرضى السمنة حول العالم أدى إلى ارتفاع نسبة حدوث حصوات المرارة
- 80% من مرضى حصى المرارة لا يشعرون بأي أعراض وربما يكتشفون بالصدفة أن لديهم حصوات، وذلك أثناء إجراء آشعة تلفزيونية على البطن لأي غرض آخر
- 1-2% من المصابين بحصوات المرارة ولا تظهر عليهم أعراض يُصابون بمغص المرارة مرة على الأقل سنوياً
- إذا بدأت أعراض الحصوة في الظهور، فإن نسبة حدوث المضاعفات ترتفع
كيف ولماذا تتكون حصوات المرارة؟
يوجد ثلاثة مسارات لتكوين الحصوات في المرارة هي كالتالي:
- فرط التشبع بالكوليسترول: في الظروف الطبيعية، تستطيع العصارة الصفراوية إذابة كمية الكوليسترول الذي ينتجه الكبد، لكن إذا زادت كمية الكوليسترول الذي ينتجه الكبد إلى الحد الذي يجعل العصارة غير قادرة على إذابته فإن الكوليسترول الزائد يترسب في المرارة على شكل بلورات. بعد ذلك تُحاصر تلك البلورات في الغشاء المخاطي للمرارة فيتنج ما يُسمى "طين المرارة". بمرور الوقت يتحول الطين بالبلورات إلى حصوات وتزداد في الحجم ويمكن أن تتحرك وتسد القنوات المرارية وتظهر الأعراض التي سيأتي تفصيلها لاحقاً.
- فرط إفراز البيليروبين: البيليروبين هو الصبغة الصفراء التي تنتج من تكسير خلايا الدم الحمراء، وهو يفرز في العصارة الصفراوية بواسطة الكبد. بعض أمراض الدم تجعل الكبد يُصنّع كميات كبيرة من البيليروبين وبالتالي تزداد فرص تكون حصوات المرارة.
- قصور حركة المرارة: عندما تفقد المرارة قدرتها على الانقباض أو تضعف، فإن الركود يُصيب العصارة الصفراوية المخزنة بداخلها وبمرور الوقت تتحول إلى حصوات.
حصوات الكوليسترول تتكون في الغالب نتيجة اجتماع العاملين الأول والثالث (زيادة إفراز الكوليسترول مع ضعف المرارة).
عوامل الخطورة [الأسباب التي تجعل الشخص معرضاً لحصوصات المرارة]
بعد أن فهمت الجانب العلمي لأساس تكوّن حصوات المرارة، فقد أصبحت مهيئاً لفهم عوامل الخطورة أو العوامل المهيئة ويقصد بها الأسباب التي تجعل شخصاً ما أكثر عُرضة لحصوات المرارة من غيره.
تلك العوامل تشمل ما يلي:
- النساء: نسبة الإصابة بحصوات المرارة في النساء أكبر كثيراً من الرجال
- التقدم في العمر، بدايةً مما بعد الأربعين
- وجود تاريخ عائلي لحصوات المرارة
- وجود زيادة في الوزن (سِمنة)
- تناول غذاء غني بالدهون والكوليسترول وفقير في الألياف
- عدم ممارسة الرياضة
- النساء اللائي يتناولن حبوب منع الحمل أو هرمون الأنوثة
- بعض السلالات البشرية أكثر عُرضة لحصوات المرارة مثل الأمريكيين والمكسيكيين
- فترة الحمل
- مرض السكري
- وجود أمراض في الجهاز الهضمي مثل داء كرون
- تليف الكبد
- الأنيميا التكسيرية
- فقدان الكثير من الوزن في وقت قليل
- تناول أدوية تخفيض الكوليسترول
ما أعراض حصى المرارة؟
ستتفاجأ حين نخبرك أن معظم حصوات المرارة لا تسبب أية أعراض على الإطلاق وتُسمى "حصوات صامتة"، لأن الأصل أن ظهور الأعراض يعتمد على حجم الحصوة.
إذا تسببت حصوات المراة في ظهور أعراض، فإنها تكون كما يلي:
- مغص المرارة: ألم حاد في أعلى يمين البطن أو أعلى منتصف البطن، ويسمّع هذا الألم في الكتف الأيمن ويكون مسبوقاً بوجبة دسمة
- غثيان وقيء
- قد يعاني المريض من ألم في الصدر وربما يختلط تشخيصه مع الأزمات القلبية
- الصفراء (اصفرار الجلد وبياض العين)
- الحمى: بعض المرضى يعانون ارتفاع درجة الحرارة في الحالات التي بها مضاعفات فقط
تتكرر الأعراض السابقة على شكل نوبات بين الحين والآخر.
الألم (المغص) هو أهم أعراض المرارة ويكون ثابتاً ويستمر من 15 دقيقة حتى بضع ساعات ويكون الألم شديداً للغاية وفي الغالب يكون مسبوقاً بتناول المريض/ة وجبة دسمة غنية بالدهون والكوليسترول، يبدأ الشعور بالألم بعد مرور حوالي ساعة من تناول الوجبة الدسمة.
يحدث المغص المراري نتيجة تكرار انقباض المرارة لدفع الحصوة نحو القناة مما يؤدي إلى زيادة توتر وضغط المرارة، وعندما تنبسط عضلات المرارة تعود الحصوة إلى مكانها ويخف الألم، وارتباطه بالوجبة الدهنية ليس شرطاً لكنه شائع.
أعراض المضاعفات
إذا كان المريض يعاني ارتفاعاً مستمراً في درة حرارته، مع تسارع ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم والصفراء، فإن الطبيب يجب أن يبحث عن مضاعفات حصوة المرارة مثل التهاب المرارة، التهاب البنكرياس والتهاب القنوات المرارية، كما يجب أن يستبعد الأسباب الأخرى لارتفاع درجة الحرارة.
إذا تحركت الحصوة ووصلت إلى القناة الصفراوية المشتركة التي تنقل العصارة الصفراوية إلى الأمعاء (موضحة في الصورة أعلاه)، فإنها تعوق انتقال العصارة الهاضمة، وتؤدي إلى تراكمها في القنوات المرارية والكبد مما يؤدي إلى ارتفاع وظائف الكبد (إنزيمات الكبد والبيليروبين) مع إصابة المريض بالصفراء.
ثلاثية شاركوت: عندما تتجمع البكتيريا في العصارة الصفراوية المتراكمة فوق مستوى الانسداد في القناة المرارية المشتركة، فإنه يؤدي إلى التهاب صديدي في الكبد وفي الشجرة المرارية فتظهر ثلاثة أعراض وعلامات تشخيصية مهمة تُسمى "ثلاثية شاركوت" وهي تشمل:
- ألم شديد عند لمس الجزء العلوي الأيمن من البطن عند الفحص الطبي أو لمسه لأي سبب
- ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة
- الصفراء (اصفرار الجلد والأغشية المخاطية مع ارتفاع وظائف الكبد)
الحالة السابقة تستلزم الخضوع لجراحة استئصال المرارة بالمنظار مع إبقاء المريض بالمستشفى لتلقي جرعات مضاد حيوي عبر الوريد مع أدوية لتحسين وظائف الكبد.
ما الفحوصات التي يطلبها الطبيب لتأكيد تشخيص حصى المرارة؟
الفحص الأهم والأكثر استخداماً لتشخيص حصوات المرارة هو الآشعة التلفزيونية على البطن بالموجات فوق الصوتية (السونار)، وهو فحص سهل وآمن وهو دقيق بنسبة كبيرة خصوصاً إذا أجراه طبيب آشعة متمرس.
تقرير الآشعة التلفزيونية يُظهر حجم الحصوات ومكانها ويوضح حالة القنوات المرارية وحالة الكبد، لكنه لا يستطيع توضيح حالة القناة المرارية المشتركة بالدقة العالية، وبالتالي في بعض الحالات النادرة عندما يشك الطبيب في وجود حصوة في تلك القناة فإنه يطلب فحصاً أكثر تقدماً وهو منظار المرارة والبنكرياس (ERCP).
- منظار القنوات المرارية والبنكرياس (ERCP)
هذا المنظار هو للتشخيص وللعلاج في الوقت نفسه إذا لزم الأمر، وفيه يتم إدخال منظار مرن من فم المريض ثم إلى المرئ ومنه إلى المعدة ثم إلى الإثنى عشر (بداية الأمعاء الدقيقة)، ويتم حقن صبغة لتُظهر القنوات المرارية، وإذا وُجدت حصوات أثناء الفحص في القناة المرارية يُمكن إزالتها بواسطة المنظار (انظر الصورة).
منظار القنوات المرارية والبنكرياس لتشخيص حصوات المرارة المنزلقة إلى القنوات المرارية |
منظار القنوات المرارية والبنكرياس لا يمكنه إزالة الحصوة إذا كانت داخل المرارة.
- التصوير بآشعة الرنين المغناطيسي (MRCP)
هذا هو الاختيار الأمثل للأطباء لأنه آمن ولا يوجد به مخاطرة الدخول بالمنظار ولا الصبغة. هذا الفحص للتشخيص فقط ولا يمكن استخدامه في العلاج.
- منظار الآشعة التلفزيونية (EUS)
في هذه التقنية يجمع الأطباء بين المنظار التشخيصي والآشعة فوق البنفسجية (السونار) ويتم إدخال المنظار بنفس طريقة ERCP لكنه يتفوق عليه بأنه يمكنه مشاهدة القناة المرارية المشتركة جيداً.
في حال تم اكتشاف حصوة في القناة المرارية المشتركة بهذا المنظار، تتم إزالتها باستخدام منظار القنوات المرارية والبنكرياس (ERCP).
بالإضافة إلى الآشعة، يطلب الطبيب بعض التحاليل لتقييم حالة الكبد والبنكرياس مثل وظائف الكبد (ALT, AST)، ووظائف البنكرياس، وقد يطلب تحاليل السيولة وصورة الدم إذا قرر إجراء المنظار التشخيصي أو العلاجي.
أنواع وأشكال حصوات المرارة
يوجد نوعان من الحصوات التي تتكون في المرارة كما سبق الإشارة أعلاه، والتفصيل كما يلي:
- حصى الكوليسترول: وهي الأكثر شيوعاً [75%] وتتكون في الأساس من الكوليسترول المترسب المتصلب في قاع المرارة. يكون لونها أخضر مصفر في الأغلب.
- الحصى الملون (الحصوات الصبغية): هي الحصوات التي تتكون من البيليروبين (صبغة الصفراء) ويكون لونها قاتماً مائلاً إلى الأسود.
علاج حصى المرارة
الكثير من حالات حصوات المرارة تُكتشف بالصدفة أثناء إجراء آشعة بالموجات فوق الصوتية على البطن لأي سبب آخر، ذلك أن نسبة كبيرة من حالات حصوة المرارة لا تُسبب أي أعراض وبالتالي هي لا تحتاج إلى علاج إلا إذا رأي الطبيب أنها يمكن أن تتحرك في المستقبل القريب لتسد القنوات المرارية.
إذا كانت الحصوة بدون أعراض وكانت كبيرة بما يكفي لضمان عدم تحركها وإحداث مضاعفات، يمكن أن يطلب الطبيب من المريض المتابعة وبعض النصائح، وسيخبره بما يجب أن يفعل إذا شعر بألم شبيه بالمغص المراري.
علاج مغص المرارة الحاد
في الحالات الحادة، وبعد التأكد من عدم وجود مضاعفات خطيرة (مثل انسداد القنوات المرارية)، يبدأ الجراح في علاج أعراض المغص كما يلي:
- مسكنات ألم قوية عن طريق الحقن ويُفضل في المحلول (أمبول كيتولاك أو أشباهه بالحقن البطيء في الوريد أو في المحلول).
- مضاد للتقلصات مثل حقن سبازموفين أو فيسيرالجين لعلاج المغص الناتج عن انقباض المرارة المتكرر
- مضاد للحموضة: يمكن إضافة حقنة كونترولوك أو زوركال أو بدائلهما إلى المحلول، فهي تحقق نتائج جيدة مع الأدوية السابقة.
ينصح الطبيب المريض بتجنب تناول الأكلات الدسمة الغنية بالدهون والكوليسترول فيما بعد لتجنب تكرار النوبة.
استئصال المرارة والحصوات
استئصال المرارة هو الحل النهائي لحالات الحصوات التي تسبب أعراض ظاهرة، وفي معظم الحالات يتم استئصال المرارة عن طريق المنظار.
يتم استئصال المرارة عبر الجراحة المفتوحة فقط في حال عدم توفر منظار في المستشفى أو في حالة عدم وجود أطباء مدربين جيداًـ أو في حال لم يستطع المريض تحمل التكلفة العالية للمنظار.
للمزيد من التفاصيل، يُرجى قراءة المقال التالي: عملية استئصال المرارة بالمنظار: شرح وتكلفة ونصائح بعد العملية.
المراجع