الذئبة الحمراء هو مرض مناعي مزمن يحدث فيه التهاب عام في عدد من أعضاء الجسم ويستمر لفترات طويلة، ويتركز تأثير الذئبة على المفاصل والجلد، لكنه للأسف يمتد إلى أعضاء أخرى أكثر أهمية مثل الكلى والغشاء البللوري المحيط بالرئة والغشاء المحيط بالقلب بالإضافة إلى المخ.
يتميز مرض الذئبة الحمراء بوجود نوبات من النشاط "التوهج" وهي قد تكون متوسطة وقد تكون شديدة الخطورة، تتبعها نوبات من الخمول "سكون" تهدأ فيها الأعراض تماماً لفترات طويلة، وقد تطورت أساليب علاج الذئبة الحمراء وتحسنت معها جودة حياة المرضى وزادت معدلات أعمارهم.
ما أسباب مرض الذئبة الحمراء؟
مرض الذئبة هو أحد أشهر أمراض المناعة الذاتية، التي يحدث فيها اعتلال بالجهاز المناعي يجعله يهاجم خلايا الجسم السليمة بدلاً من مهاجمة الميكروبات الخارجية فقط (يمكنك فهم طريقة حدوث الأمراض المناعية بالشرح المفصل من هنــــــا).
لكن أسباب حدوث اعتلال الجهاز المناعي مازالت غير واضحة حتى الآن، لكن الأبحاث أشارت إلى عدد من الفرضيات عن الأسباب والعوامل المساعدة على حدوث مرض الذئبة الحمراء، مثل:
- العوامل الوراثية: استنتجت دراسة دانمركية أنه إذا كان أحد الأشخاص مصاب بمرض الذئبة الحمراء، فإن نسبة انتقال المرض للأقارب بلغت 10.3-95% للأقارب من الدرجة الأولى، وكانت حوالي 3.6% -95% للأقارب من الدرجتين الثانية والثالثة، كما توصلت دراسات أخرى إلى أنه إذا كانت الأم مصابة بالذئبة، فإن نسبة انتقاله إلى ابنتها تكون 1:40 ونسبة انتقاله إلى ابنها (الذكر) 1:250.
- الجينات: بخلاف توريت المرض، بعض الأشخاص لديهم مجموعة جينات تجعلهم معرضين للإصابة بمرض الذئبة الحمراء أكثر من غيرهم. وقد توصل العلماء حتى الآن إلى أكثر من 50 جيناً مسئولاً عن زيادة احتمالية الإصابة بالذئبة.
- الهرمونات: توصل الباحثون مؤخراً إلى وجود علاقة بين هرمون الأنوثة (الإستروجين) ومرض الذئبة، حيث لاحظوا زيادة حدة أعراض المرض قبل حدوث الطمث (الدورة الشهرية) وأثناء الحمل، لكن ذلك يحدث في النساء المعرضات جينياً فقط (بمعنى أنه يجعل الأعراض تظهر أشد، لكنه لا يُسبب المرض من الأساس)، وهرمون الإستروجين تفرزه أجسام الرجال أيضاً لكن بنسبة أقل كثيراً من النساء، وهذا قد يفسر زيادة نسبة وشدة المرض في النساء.
- عوامل محفزة: معظم الباحثين أصبحوا مجمعين على وجود عوامل خارجية تتسبب في حدوث نشاط حاد لمرض الذئبة الحمراء مثل الفيروسات وبعض المواد الكيميائية، ويرى الباحثون أن تلك المواد عندما يتعرض لها الشخص المعرض جينياً للمرض تحدث ثورة للمرض وتظهر على المريض الأعراض فجأة وبصورة شديدة، من بين تلك العوامل: الآشعة فوق البنفسجية من الشمس والمصابيح الفلوروسينية، مركبات السلفا، بعض المضادات الحيوية مثل التتراسيكلين والبنسيللين, وأيضاً التعرض للضغط والتوتر العصبي الشديد.
ما أعراض وعلامات الذئبة الحمراء؟
الذئبة الحمراء مرض مزمن يؤثر بصفة أساسية على الجلد والكلى والمفاصل وخلايا الدم واجهاز العصبي، لكن يمكنه للأسف أن يؤثر على أي عضو في الجسم.
تتباين أعراض المرض بشدة فبعض المرضى لا تظهر عليهم أي أعراض والبعض الآخر يعاني أعراضاً شديدة الخطورة كما سيأتي التفصيل.
- طفح جلدي: وأشهرها الطفح الذي يظهر على الخدود حول الأنف ويكون على شكل "فراشة"، كما تظهر على شكل أقراص, ويظهر أيضاً في مناطق الجسم المعرضة للشمس ويستمر لفترة تصل إلى شهر.
- قُرح: ظهور تقرحات في بشرة الجلد وعلى الأغشية المخاطية (الطبقات المبطنة لأعضاء الجسم) مثل داخل الفم.
- التهاب المفاصل: وهو يسبب ألماً وتورماً في مفصلين أو أكثر ويستمر لبضعة أسابيع.
- أعراض تنفسية: التهاب الغشاء البللوري المغطي للرئة يُسبب ألماً شديداً في الصدر يزداد مع الشهيق.
- التأثير على القلب: عندما يصل تأثير الذئبة الحمراء إلى القلب يحدث التهاب في الغشاء المغلق للقلب من الخارج مما يتسبب في ألم شديد في الصدر ويزداد مع التنفس العميق.
- ظهور بروتينات في البول: يحدث هذا العرَض عندما يُصيب المرض الكليتين فيؤثر على وظيفتهما، حيث من الطبيعي ألا تظهر البروتينات في البول وقد تظهر أيضاً أشكال "القوالب المصبوبة" في تحليل البول.
- نقص في الصفائح الدموية ويظهر هذا في تحليل صورة الدم.
- أنيميا تكسيرية: نتيجة تكسيىر خلايا الدم الحمراء عندما يؤثر المرض على الدم.
- تأثيرات عصبية: إذا وصلت الأجسام المضادة إلى الجهاز العصبي فقد تظهر الأعراض الخطيرة مثل نوبات التشنج وحالات الجلطات وربما تظهر أعراض الأمراض النفسية مثل "الذهان" إذا وصل التأثير إلى مراكز المخ
كيف يمكن تشخيص الذئبة الحمراء؟
يعتمد تشخيص الذئبة على معايير أهمها التاريخ المرضي (الأعراض والعوامل المساعدة كما هي مشروحة أعلاه)، ثم الفحص السريري بواسطة الطبيب المختص (طبيب أمراض مناعة وروماتيزم- تخصص فرعي من الباطنة)، وفي النهاية يتم تأكيد التشخيص بواسطة الفحوصات (تحاليل وآشعة).
الفحوصات المطلوبة لتشخيص الذئبة تكون كما يلي:
- تحليل مستضد النواة: هو التحليل الأهم ويُسمى "ANA" وتكون نتيجته "إيجابية" تقريباً في كل حالات الذئبة.
- صورة الدم: يظهر فيها انخفاض في أعداد خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية بالإضافة إلى نقص نسبة الهيموجلوبين "أنيميا".
- مستضدات خاصة: تشمل الدلائل الخاصة بالذئبة كلاً من مستضد الحمض النووي ثنائي الشريط (Anti-dsDNA) ومستضد سميث (Anti-sm) ومستضدات الفوسوفوليبيد (Anti-Phospholipid).
- تحليل بروتينات Complement: حالات مرض الذئبة الحمراء تنخفض لديها بروتينات C3 أو C4 أو كلاهما.
- الآشعة التشخيصية: الآشعة العادية (إكس راي) قد تظهر التهاب المفاصل لكنها لا تؤكد التشخيص، الموجات الصوتية على القلب مطلوبة لبيان تأثر غشاء القلب من عدمه، والآشعة العادية على الصدر لبيان حالة الرئتين، كما أن الآشعة المقطعية على المخ تفيد في حال تأثر الجهاز العصبي.
ما علاج الذئبة الحمراء؟
من المؤسف القول بأن الذئبة الحمراء مرض مزمن، ولا يوجد علاج نهائي للتخلص منه أو القضاء عليه نهائياً، لكن الأدوية التي سنذكرها لها تأثير كبير لتخفيف حدة المرض.
الهدف من أدوية علاج الذئبة بمختلف أنواعها هو منع نشاط المرض والحد من خطورته ومنع وصول تأثيره إلى الأعضاء الحيوية الحساسة تجنباً لحدوث مضاعفات ذات خطورة عالية، والأدوية كالتالي:
- بلاكونيل: المعروف علمياً باسم "هيدروكسي كلوروكين" وهو في الأساس علاج لمرض "الملاريا"، لكنه أصبح الاختيار الأول في علاج الذئبة الحمراء حيث يساعد في تقليل التهاب المفاصل والإجهاد والطفح الجلدي وقرح الفم كما يمنع نشاطات توهج المرض.
- مثبطات المناعة: هي الأدوية التي تمنع نشاط المناعة الذاتية المسبب للمرض ومن أشهرها "إميوران" (Immuran) ومادته (Azathioprine) وميزوتركسيت (Methotrexate) وسيتوكسان وغيرهم.
- مشتقات الكورتيزون: من الأدوية المحورية في علاج الذئبة لأنها تؤدي وظيفتين مهمتين حيث تعمل كمسكن قوي للآلام الناتجة عن المرض بالإضافة إلى عملها كمثبطات للمناعة الذاتية ومضادات للتورم. من أبرز مشتقات الكورتيزون هنا "بريدسول" بتركيزاته المختلفة.
- الأدوية الحيوية (Biologics): دواء belimumab (Benlysta) هو الوحيد الذي تم ابتكاره خصيصاً لعلاج الذئبة، ووافقت عليه منظمة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) لأول مرة عام 2011 لعلاج البالغين وعام 2019 وافقت على استخدامه لعلاج الأطفال.